احلام مرعبة

أرجوك لا تثيري لواعج اشجاني، ولا تنفخي في نار بركاني، فليس لي القدرة على الحديث عن تلك القصة التي تودين سماعها، وماذا يجديك سماعها؟، أليست هي الألم والمرارة؟، اقسم لك ان سيفها لا زال يغوص في أعماق وجداني، وما زالت الحسرة تقطع نياط قلبي، ولا أنكر انّه قد يكون في ذكر تلك الأيام الصعبة منفعة للغير، رغم ما فيه من الألم لمن عاشتها.
- اعذريني أن أثرت دفائن أمر قد ابتلته الأيّام، وتكدست عليه أوحال السنين، ولكن الإنسان الذي مارس الأمر وجربه، وأفاد منه، عليه أن يعطيه الآخرين لينتفعوا بعبرته، ويأكلوا من ثمره وإن كان مراً، كما يتطبب المريض بالعلقم والعمل الجراحي.
- إذا كان لابدّ من الحديث عن تلك القصة التي قصمت ظهري، وأرّقت ليلي، وسلبت سعادتي، فإني سألقيها إليك، ولكن قبل أن أبدأ بفتح مغالق هذا القلب الدامي عليك أن تجدي له صماماً ينظم له دقاته، ويدير حركاته.
- لا تيأسي فإن مفرج الكروب هو من سيعينك في محنتك هذه التي سلبتك الراحة، ونغصت عليك حياتك.
- لقد عدت بعد تلك الحادثة شبحاً قائماً يتوارى من سوء مظهره، لا يعي ما يفعل.
- أرجوك هلا افصحت عما في هذا القلب من شجى، وعما في هذه النفس من هموم.؟
- سأحكي قصتي بعد أن حاولت ان اتناساها، وأن أحفر لها قبراً في واد من النسيان، إلا أنّها كانت أقوى من الريح العاتية، وأصلب من الصم الصياخيد، واعتى من الطوفان، فلم تزل تتابعني، تهمس في إذني برقة، تحاورني في حنان، سرعان ما تتبدل عويلاً وصراخاً احسبه ملء الوديان، يقف أمامي كملاك، ثمّ يتحول إلى مارد جبار يأخذ بتلابيبي، يضيّق عليّ أنفاسي، يهاجمي كوحش كاسر، فلا أنا من سكان القبور، ولا أنا من الأحياء في هذه الدور، والمصيبة العظمى، والداهية الكبرى أنّ هذا السر ظل منتصباً أمامي، شاخصاً محملقاً، يصيح بي: (اعترفي، توبي، حدثي الناس بما فعلت، احكي قصتي، واكتبي تاريخ شهادتي على قبري الذي اضعته بين الأجداث، لقد ابيت الا اخفاء جرمك، وطمس معالم قبري).
واظنه كان يفعل ذلك حباً بي، ورأفةً بحالي، ولا ما هو السر في هذا النغيص وهذه الكوابيس المرعبة المكشرة عن انيابها، القابضة على مباضعها، المهددة بأصواتها، وليتك تعلمين كم كانت تحدث لي من الروع والهلع تلك الأصوات، وليتك تعرفين ما هو فعل تلك الرؤى الكالحة في قلبي وروحي.
- قولي وافصحي واكشفي هذا الغطاء الذي حجبت به همومك، وغطيت به آلامك، لعلك تجدين متسعاً للراحة أو منفذا للإستقرار.
- لقد شربت كأس العلقم التي ما برحت تفيض ولا تغيض، وكان هناك من يملؤها كل يوم.
لقد كانت لي ضرة تلد الذكور، وكنت أنا ألد الاناث، وتعرفين كم يفعل هذا في نفس إمرأة جاهلة مثلي ترى أخرى تشاركها كل شيء: بيتها، بعلها، كل شيء إلا أنفاسها، وهي في كل حمل لها تأتي بولد ذكر لزوجها تجعله به يطير من الفرح والسرور على جناح الود، فيسقيها من حبه وعطفه وعنايته، أمّا معي أنا أم الاناث فحاله حال من وصفه القرآن بأنّه يظل وجهه لولادة الأنثى مُسْودّا وهو كظيم من سوء ما بشر به.
لم أشكر الله على ما أعطاني، ولم أعرف قيمة الرحمة المهداة لي، بل تجبرت، وطغى سلطان الغيرة على كل وجودي، فاستعليت وحسبت نفسي أحيي وأميت، أنجبت ابنة رابعة، وليس لي ولد ذكر، ورأيت امتعاض زوجي من وجود البنات، وسمعت الكثير من التهكمات لكنني لم استمع لكلام ربي.
ارهفت سامعتي لصارخ الغيرة الحمقاء القاتلة المستحوذة وقلت لابدّ لي من التخلص من هذه الطفلة بأي طريقة، من الواضح انني لا يمكنني خنقها لأن ذلك سيظهر في الفحص الطبي، فلم يبق أمامي إلا طريقة واحدة ماكرة هي أن أحرمها من الغذاء، واقطع لبني عنها واطعمها تسكيتاً لها من الصراخ ماءً خالياً إلا من قليل من السكر، وظللت هكذا أضع لها في زجاجة لم اشترها من الصيدلية، وإنّما كانت عندي في البيت. وما فتئت الطفلة ترتضع ذلك الماء حتى ضعفت وذوت كما تذوي الرياحين الضامئة أمام الشمس المحرقة، ولم تأخذني رأفة بها لتدفعني إلى إطعامها وإنقاذها، وإذا ما سأل الأب عن سر ضعفها أقول انّها مريضة، وهو الآخر بسبب بغضه للبنات لم يحاول لا يكلف نفسه عرضها على الطبيب ما دامت الأُم لا تحاول ذلك.
وأخيراً استيقظت في أحد الأيّام فلم أسمع لها صوتاً، فقد أراحها الموت من أظافر اللؤم والقسوة، وطارت بها ملائكة الرحمة إلى روضة العدل والرأفة، وبقيت أنا بين إطلالها مع وجعي وآثار جريمتي، ومن تلك اللحظة بدأ العقاب، وبدأت غيلان الشعور بالذنب تلاحقني، وحاولت النسيان والكتمان، إلا أنهما أبيا عليَّ، فأمّا آباء الأوّل فها أنتِ ترين كيف لم تبارح صورتها المستغيثة مخيلتي، ولم تختف هالتها البريئة من أمام ناظري، وامّا آباء الكتمان فها أنتِ ترين إني قد بحت لك بسري الذي ما اطلع عليه أحد غير الله، لأني على علم بأنّها اشتكت أمري، وقدمت كتابها منشوراً منادية متسائلة بأي ذنب قتلتُ؟
ولقد عاقبني ربي فمرضت من عدم إعطائي الحليب الذي هو حق لها وضعه الله في صدري، وبقيت أراجع الأطباء وانتهى الأمر بي إلى إستئصال الثدي.
- والآن ماذا تريدين أن تفعلي؟
أريد أن أرى رأي ربي في جريمتي هذه، فها أنا أعترف بأني أزهقت نفساً بريئة طاهرة.

احلام مرعبة 23

______شكرا_____ ______شكرا_____
___________ __________
________ ________
____ ___
_ _

الشكر لله

» قصص مرعبة
» قصص مرعبة جدا